إندونيسيا – الإسلاميون - الشيعة - الصوفية
مقدمة
يواصل
مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتاب هذا الشهر مارس (آذار)، دراسة الإسلام
الإندونيسي، ويركّز هذا العدد على جهود الأسلمة، الاتجاهات السياسية للإسلام
السياسي الإندونيسي، ويمر على شبكة الإسلام الليبرالي، ويطوف حول التنوع داخل
الإسلام في إندونيسيا وقدرته على التعايش الداخلي والخارجي ويتناول التصوف
وتاريخه، ويقدم مراجعةً له كما يفعل مع التشيع وحضوره، وبذلك نغطي الإسلام
الأندونيسي ونضع بين يدي القارىء الكريم مادةً تعينه على فهم نموذج من نماذج الدين
والتدين والانفعال بالبيئة والمناخ والمجتمع.
فاتحة دراسات العدد تناولها الأستاذ بجامعة ذمار
اليمنية الدكتور عادل محيي الدين الآلوسي، الذي كتب عن «بدايات الأسلمة
الإندونيسية»، حشد فيها العوامل التي أسهمت في الأسلمة الإندونيسية، منذ فجر
التاريخ، مثل العامل الاقتصادي الذي تمثله التجارة النشطة بين جزر الأرخبيل والتي
تتجاوز المياه الإندونيسية إلى الصين والهند والخليج العربي، والتي يعول عليها
بوصفها مصدرًا للربح وزيادة الدخول عن طريق المكوس والضرائب المفروضة على التجارة
التي تمر بموانئهم فضلا عن البضائع المصدرة والمستوردة، ويركز على دراسة الجوانب
التاريخية لدخول الإسلام ويعارض الروايات، ويستحضر تأثير هذه الروايات على الواقع
الموجود اليوم، ويربط بينها وبين تيارت الأسلمة الإيديولوجية الحديثة.
بأسلوب أوضح، يفصّل الدكتور بوحنية، أستاذ العلوم
السياسية في جامعة ورقلة الجزائرية، قوى الاتجاهات الإسلاموية في إندونيسيا، فبين
المسارات الراديكالية وموقفها من توجهات الدولة التحديثية، في الدراسة يصرّ بوحنية
على استحالة فصل مسألة الإسلام السياسي والديمقراطية في إندونيسيا عن العلاقة بين
الإسلام والدولة، مستحضرًا في نقاشه التوترات الإيديولوجية من ناحية والمتعلقة
بالمبادئ الخمسة الإندونيسية من جهة أخرى، الأمر الذي أنتج انعدامًا للثقة
واستعارًا للعدائية بين الممثلين في معسكر الدولة ومعسكر الإسلام السياسي، يقول
بوحنية إن «الغالبية العظمى من الإندونيسيين هم مسلمون ويتبعون
التقاليد ومدارس الفكر السنية، ومعتقداتهم حول الإسلام السياسي خاصة فيما
يتعلق بالعلاقة بين الإسلام والدولة - مختلفة وغير موحدة». وكغيرهم من بين
إخوانهم المسلمين في الدول الأخرى، يهتم المسلمون الإندونيسيون بتطبيق النماذج
المتعارف عليها ضمن الأحكام الإسلامية في الحقل السياسي.
لا يمكن الحديث عن تيارات إسلاميّة، دون الحديث عن
أثر فكر جماعة الإخوان المسلمين على التيارات والأحزاب والتشكيلات الإسلاموية، هذا
الباب تناوله القريب من التيار الدكتور كمال الدين نور الدين مرجوني، رئيس قسم
الدعوة بالجامعة الإسلامية الماليزية، وفيه أشار إلى جذور الإخوان العميقة في
إندونيسيا، إذ أن الفكر الإخواني في إندونيسيا ظهر منذ زمن طويل، ولعب الإخوان
دورًا مهمًا في استقلال إندونيسيا، يبرز تأثير الجماعة واضحاً في حزب العدالة
والرفاه الإندونيسي (PKS) الذي استفاد الحزب من منهج
تربية الإخوان المسلمين، وشعاراته. رصدة الدراسة حركة الترجمة، وأسماء الكتّاب،
والرسائل الإخوانية التي يعنى الإندونيسيون من الإخوان بترجمتها، وتأتي في مقدمتها
كتب البنا، وسيد قطب، ويوسف القرضاوي.
أما الدكتور لؤي عبد الباقي، مدير معهد الحكمة
للدراسات الإسلامية، فقد اختار دراسة شبكة الإسلام الليبرالي (الحر) في إندونيسيا
ومسارها، وبعد أن رصد مراحل تولّدها كشبكة وتيار مهم يتبنى كل فكر غير أصولي،
اعتبر لؤي أنّ الدعم المالي الأجنبي الذي هو مصدر قوة شبكة الإسلام الليبرالي،
والليبراليين عموما، صار أحد أهم أسباب فشلها. وهذا الرأي لم يعد يقتصر ترديده
والنقاش حوله على أوساط أنصار التيارات الإسلامية؛ الأمر الذي كان يؤخذ على محمل
اتهامات الخصوم، بل أصبح مما لا يمكن إنكاره من قبل الليبراليين الإسلاميين أنفسهم
الذين بدؤوا يناقشونه على أساس أنه أحد السلبيات أو التحديات التي ينبغي معالجتها،
تناول الكاتب أهم القضايا والتحديات التي وقفت أمام الشبكة، وقدرتها على ابتداع
توليفة للقضايا المطروحة، وتنسيقًا يجعلها تيار فكري أكثر من كونها كوعاءً
سياسياً. مشيراً إلى محاولات «شبكة الإسلام الليبرالي»، أن تقدم نفسها للمجتمع
الإندونيسي على أنها البديل الوحيد، العقلاني والمعتدل والمقبول لدى الغرب، الذي
يستطيع مواجهة صعود وانتشار التيارات المتشددة. ورغم أنها حققت نجاحا إعلاميا
نسبيا أكسبها تعاطفا قويا من قبل بعض الأطراف الداخلية؛ كبعض الأقليات والتيارات
العلمانية، ودعما ماديا من الخارج، إلا أن هذه المكاسب الآنية جاءت على حساب
سمعتها الوطنية ومصداقيتها الفكرية! فمعظم المسلمين في إندونيسيا، بل وفي جنوب شرق
آسيا، كما يؤكد الكثير من المراقبين والمحللين، ينظرون إلى الشبكة وإلى
الليبراليين المسلمين عموما بعين الريبة والشك، كما أنهم يرفضون منهجهم في تفسير
الإسلام ويعتبرونه نوعا من الهرطقة والانحراف عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
لذلك سوف تواجه الشبكة مصاعب جمة في تدارك الهوة الكبيرة التي تفصلها عن الأوساط
الإسلامية الإندونيسية، حتى وإن حاولت التقرب من جمعيتي نهضة العلماء والمحمدية
اللتين استطاعتا المحافظة على هويتهما الإسلامية عبر تاريخ إندونيسيا المعاصر.
أبوبكر باعشير، هو الرمز الأبرز في مسارات الإسلام
السياسي الإندونيسي، لذلك اختار محمد حتى عبد الفتاح، الإسلامي الإندونسي والباحث
بالمختص بالشأن الإسلامي الإندونيسي، تناوله، فتناول تأسيسه، ومراحل اعتقاله،
وصلاته بالقاعدة، وردوده، وتأثيره، حاولت الدراسة التركيز على الشخصية السياسية
لباعشير، مع استصحاب الخلفية الاجتماعية له، وصلاته بخلق حالة الإرهاب، وحاول
الكاتب تحييد خطاب باعشير عن الارتباطات الواضحة بالعنف.
وفي إطلالة على إحدى الملفات الهامة، قام الدكتور
أنيس طه، الأستاذ المشارك بالجامعة العالمية بماليزيا، بدراسة مسار التصوف، بداية
من تاريخه القديم، وحتى حاضر اللحظات، قدمت الدراسة رصدًا أمينًا لانسراب
المهاجرين الأوائل من المسلمين، وناقشت استيعاب ثقافة إندونيسيا للتصوف وتواءمها
معه، ما ساهم في انتشار الإسلام، ناقش طهن حضور التصوف في الثقافة اليوم، وقدم
مراجعة جريئة له.
لتثبيت دراسة التنوع، قام محمد العواودة، بدراسة
الشيعة، واضعًا التناول بين مزدوجتين وحدد لهما عامًا فاصلاً باندلاع ثورة الخميني
1979، التي أعادت تشكيل تقبل التشيع في إندونيسيا، اعتمد الكتاب على تحليل الإسلام
الشيعي الإيديولوجي وتوضيح قدرته على الوصول إلى الإندونيسين، وأدواته الإعلامية،
مارًا على تواجد حزب الله وغيره من المنظمات الشيعية.
دراسة العدد، تناولها الباحث العراقي، نوري جاسم،
الباحث في التصوف وحوار الأديان، وتناولت علاقة التصوف بالسياسة، واتخذت العراق
أنموذجًا، واشتملت على دراسة حول البيعة الصوفية، واختبرت علاقة التصوف بالحركات
الإسلاموية، ولماذا وصل النقاش إلى صدام.
"الوجود الإسلامي في أرخبيل الملايو إندونيسيا
وماليزيا أنموذجاً" هذا الكتاب من تأليف: د. غيثان بن علي بن جريس، ويقرأ
الكتاب عرضاً وتحليلاً الباحث محمد العواودة، رأى المؤلف أن الإسلام كان
ذا آثار كثيرة وإيجابية على الملايويين، حيث ابتكر العرب طريقة لكتابة اللغة
الميلاوية، كما كان له الأثر الكبير لهم في تعليم الكثير من سكان الملايو
اللغة العربية، كما أثرت الثقافة العربية في الثقافة والأدب الإبداعي الملايوي مثل
النثر، الشعر، القصة، ولعبت العلوم الإسلامية دورا هاما في تثقيف الملايو بعد أن
كانوا يقبعون في جاهلية جهلاء تحت ظل القوى الهندوكية المتسلطة على رقاب
الملايويين، بل وصارت الدول الإسلامية تؤازر بعضها بعضا سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا وثقافيا وفكريا بفضل الإسلام، واستمر وضعها على هذا النهج حتى مجيء
أفواج المستعمرين الغربيين بسياسات وصراعات جديدة لم يغب عنها المشهد الإسلامي
صبرا وجهادا حتى إعلان الاستقلال.
وقد نسق هذا العدد الباحث الأردني محمد العواودة بكل
إخلاص وتفاني، فله منا كامل الشكر وخالص التقدير.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar